الإصرار على المعصية والمجاهرة بها وعدم استشعار مراقبة الله تعالى
ويقول رحمه الله تعالى في صفحة (181) في مسألة: لماذا التوبة وضرورة التوبة؟ ولماذا يكون المصر على الصغيرة أخطر وأكبر من التائب المقلع عن الكبيرة؟ لأن حالة الإصرار لا تخلو من أمرين، يقول: (الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك الفارق من المعصية إصرار ورضاً بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك، وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب).
منهم من يذهب -والعياذ بالله- يزني ويعربد ويفجر في مكان ستره الله عليه، وإذا به يأتي ويكتب ذلك في جريدة.. دخلنا مرقصاً وملهى، وفعلنا... فيقرؤه الملايين، أو يتحدث به في التلفاز والإذاعة... سبحان الله! كيف بلغ الشيطان من التلاعب بعقول بني آدم وإضلالهم؟ يستره الله ويفضح نفسه؟!
فيقول: لماذا المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الله تبارك وتعالى من فوق عرشه إليك أيها المذنب؟! هذا إن آمن بنظره إليه، وأقدم على المجاهرة، فإنه جرم عظيم، وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه فقد كفر.
فالمذنب المجاهر المصر بين حالين، ليس هناك حال ثالث: إما أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه ويراه وهو يعمل هذه الذنوب، ومع ذلك يعملها، فهذا جرم عظيم، ووالله إن العاقل لا يفعل هذا، فإن الإنسان يستحي أن يراه أحد على شيء يكرهه، فكيف بالله تبارك وتعالى؟!
وأشد من ذلك إن كان يظن أن الله لا يطلع عليه ولا يراه، ولا يعلم ماذا يصنع، فهذا كفر، والكلام فيه مفروغ منه؛ لأنه مرتد.
يقول: فهو دائرٌ بين الأمرين: بين قلة الحياء -في حالة إيمانه بأن الله يراه وينظر إليه- وبين الكفر والانسلاخ من الدين؛ فلذلك يشترط في صحة التوبة تيقنه أن الله كان ناظراً إليه، ولا يزال مطلعاً عليه يراه جهرة عند مواقعة الذنب، وهذا من جملة ما يشترط للتوبة.
وأكثر الشباب -هداهم الله- بل أكثر الناس الذين أخطئوا الطريق، إنما جاءتهم التوبة لما استشعروا هذا الأمر، يفكر أحدهم ويقول: كان الله تبارك وتعالى مطلعاً علي ويسمعني، ثم يحلم علي ويمهلني! وقد قرأنا قصة تلك المرأة التي عبرت ذلك التعبير العادي جداً، لكن فيه عبرة عظيمة: هذه الأقدام التي مشت يعلم الله أين مشت، سبحان الله! ذهبت اللذات وبقيت التبعات، تذكرت أين اللذات، سهرة .. مشاهدة فيلم فاسق أو مجلة .. خلوة بأجنبي.. معاكسة في التلفون، وهذه كلها إن كانت ملذات -مع أنه لا يستلذ بها إلا القلب المريض- فقد ذهبت وانقضت.
وأي شخص تمتع فإن متعته قد ذهبت وانقضت، وهو يشعر بهذا الشعور، إلا إذا كان مثل ذلك الفاسد صاحب مرض (الهربز)، فقد ذكر صاحب كتاب: ولا تقربوا الزنا أنه قال له الطبيب: ما هو شعورك الآن وأنت تودع الحياة الجنسية والشهوة؟
فقال: خمس عشرة سنة وأنا آخذ حظي منها، يكفيني ذلك.. الله أكبر! هذا حظه من الدنيا والآخرة، لكن المؤمنين يتمنون الجنة، ويريدون الحور العين والنعيم، وأنت ما عندك إلا هذه الخمس عشرة سنة وقد ذهبت وانقضت.
وإنه يوجد من شبابنا -مع الأسف- من يتمنى أن يعيش عيشة هؤلاء، فهل هذا يرجو الله واليوم الآخر؟! لا. بل حظه في الدنيا أن قال: لقد اكتفيت، خمس عشرة سنة كان يزني وانتهى الأمر، فهذا حظه.
ذهبت الملذات وبقيت التبعات، سبحانك يا رب! أما لك عقوبة إلا النار؟! والله لو تفكر الإنسان في هذا الكلام لكفى وشفى:
(قد علم أنه يعفى لصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره).